Viewing 0 reply threads
  • الكاتب
    المشاركات
    • #15736

      الـنـجـــار
      قصة منير عتيبة

      كان الأسطى فتحى – نجار القرية – منهمكاً فى إعداد الخشب اللازم لصنع “طبلية” كبيرة الحجم لأحد أثرياء البلدة، ومن آن لآخر يرفع رأسه، ويلقى بنظراته خارج الدكان الصغير، وقد امتلأت النظرات بما طفح به قلبه من قلق، وترقب، وتوجس، وخوف، ورغبة، ورهبة، وأمل، ويأس.. مشاعر متناقضة كانت تعتمل بداخله فى شبه إعصار يزلزل الكيان!!
      سـمع الأسطى فتحى صـوتاً يعرفـه:
      – السـلام عليكم يا أسطى فتحى ..
      رفع رأسه ليرد السلام، لكن صاحب الصوت كان قد اختفى.. إنه فرج الجزار.. ابتسم الأسطى فتحى لنفسه ابتسامة بلا معنى.. إنه لا يتعامل مع فرج إلا على فترات متباعدة.. وأحياناً متباعدة جداً -آخر مرة كانت منذ شهرين..
      ابتسم بأمل وقال وهو يمسك المنشار اليدوى، ويقطع به الخشب:
      – ” قد أتعامل معه اليوم !! ربنا يسوقك ياحسين!!”
      شعر الرجل المنهمك فى عمله بخطوات بطيئة تقترب منه فى حذر، ثم تتوقف، رفع رأسه، اصطدمت عيناه ببطن شخص ما، رفعهما إلى أعلى قليلاً، انطبعت صورة الفتى الواقف أمام باب الدكان فى عينيه.. إنه حسين!!
      خفض حسين عينيه بسرعة عندما التقتا بعيني أبيه.. كاد الأب يصرخ:
      – ماذا حـدث ؟!
      لكنه لم يجد الحروف.. ضاعت.. أضاعها اليقين من الإجابة.. والتشبث ببقايا الأمل الضائع!!
      جالت نظرات الأب فى جميع الاتجاهات بلا هدف محدد.. تحاشى النظر إلى ابنه الذى ما زال مخفضاً رأسه، ملقياَ بعينيه إلى الأرض، وإحساس الذل والعار يغمره.. لقد رسب للمرة الثالثة فى الشهادة الإعدادية!!
      رفع الأب الجالس على الأرض عينيه إلى سقف الدكان.. كانت ذبابة تحاول التخلص من خيوط عنكبوت.. ضعفت قواها.. استسلمت.. ضاعت!!
      ابتلع الأب ريقه.. شعر بكراهية شديدة نحو العنكبوت.. أمسك قطعة طويلة من الخشب ووضع عليها خرقة بالية.. ونظف الدكان من كل ما فيه من عنكبوت..
      سقطت دمعتان من عينى الابن الواقف أمام باب الدكان .. تاهتا فى التراب ونشارة الخشب.. نظر الأب إلى ابنه طويلاً.. استجمع كل قوته حتى لا ينهار تماماً.. حتى لا يبكى الذى ضاع .. أحس الابن بوطأة نظرات أبيه.. أحس بلسعتها.. التهب وجهه.. رفع عينيه ببطء.. التقتا بنظرات أبيه.. لم يفكر أى منهما فى شئ، أو يشعر بشئ.. توقف الزمن..
      قال الرجل بصوت لايكاد يعرفه:
      – أعطنى المسامير!!
      مشى الابن بخطوات وئيدة كأن السلاسل تقيد قدميه.. أتى بالمسامير من فوق الرف الصغير.. ناول أباه مسماراً.. أخذ الأب المسار.. بلل سنه بلعابه.. وأخذ يدقه بعنف.. انغرس المسمار حتى غاب رأسه.. ناوله الابن مسماراً آخــر!!

Viewing 0 reply threads

يجب تسجيل الدخول للرد على هذا الموضوع. Login here

اتصل بنا عبر واتساب
error: هذا المحتوى محمي !!